![](https://www.lebanesewriters.org.lb/wp-content/uploads/2025/01/Cover-780x470.jpg)
أنا القمر
خليل عكّاش
على غير موعدٍ دقَّتْ على القلبِ وقالت أنا القمر.
خلال زيارتي للشاعر الكبير سعيد عقل، وفي الحديث عن عظمة الشّعر قال: شو عندك جديد يا خليل، أسْمِعني. فقُلت: كنتُ في مكتبي وقد قُرع الباب، قُلتُ مَنْ؟ فسمِعتُ صوتاً ناعماً. قالت صاحبة الصّوت، وأنا أهمّ بفتحِ الباب “أنا القمر” وبعد الاستقبال والضّيافة، قالت: كنتُ في مُقتبل العُمر وقُلتَ لي من بين رفيقاتي: مين هالقمر، أحْلى قمر.
حينها انتابتني قشعريرة منَ الخجل لا أنساها، وما زال اسم القمرِ يُلازمني إلى الآن، وقد تزوّجتُ وهذه أوَّلُ زيارةٍ إلى لُبنان بعدَ عشرين سنة في الكويت. فقال سعيد عقل: هات، ماذا قلت؟ فقرأتُ هذه القصيدة وأسميتها “أنا القمر”.
وهو يقول: أعد ليَ من الأوّل، حتّى وصلتُ إلى آخر بيتينِ وهُما:
حسناءُ مَن أنتِ قالتْ أنتَ تقرأ في
العيون ما يحتويهِ القلبُ والبَصَرُ
وإنّني لستُ أدري ما أقولُ سِوى
أنّي غداً مثل هذا اليوم أنتظرُ
فدقَّ سعيد عقل على الطّاولة وقال: “ليش عملتْ هيك” وغضِب، حتّى ظنّنْتُ أنَّهُ جُنَّ أوْ كاد، وهو يشدّ بشعرِ رأسِه، حتى خِفْتُ أن يصيبَهُ مكروهٌ، وأُتّهمَ بقتلِه. فهوّنتُ عليهِ وقلتُ برفقٍ: يا أستاذ سعيد أنا أقلّبُ القصيدة بيتاً بيتاً، والجواب على ظهر التلم -كما يقول الفلّاحون- أين المشكلة، فقال: نريد المرأة الأميرة، المرأة الملكة، والآلهة، ليست الّتي تقول لخليل عكّاش، أنا بانتظاركَ. فقلتُ يا أستاذ أنا كنت رياضيّاً وبمرحلة غرور الشباب، وإن لم تنتظرني، “ببطلْ”. فضحكَ، واستغرق في الضّحِك، وبعد هدوءِ العاصفة قال بلهجته الزّحلاويّة: “يا خيّي وبطِّل، شو رحْ نُقْعُدْ بلا أكل”.
وفي الختام، استبدلت البيتين المذكورَين آخر القصيدة بما يتلاءم مع المرأة الأميرة والّتي لا نراها إلّا في الأحلام.
مَنْ أنتِ… قالتْ: ألمْ تذكرْ أنا القَمَرُ
أنا الصَّباحاتُ والأحلامُ والدُّرَرُ
هذي بِحاري على شطآنِها وقفتْ
مراكبُ الرّيحِ حتّى رَدَّها الخطرُ
فقلتُ: ما عاش إلَّا عاشقونَ على
مَرْمَى يديكِ أقاموا الوجد وانتحروا
***
مَنْ أنتِ؟ قالتْ أنا الآهُ الّتي شَرَدَتْ
إلى المُحالِ فأعْلَى كِبْرَها الكِبَرُ
تَزَاحَمَتْ في مداراتي الرُّؤى ومشتْ
على اشْتِعالاتِها الأضْدادُ والصُّوَرُ
أنا ظلامٌ مِنَ الأسرارِ ما انكشفتْ
للشَّمْسَ إلَّا وراح اللّيلُ يبتكرُ
الشّرقُ والغربُ تيّاهان في فلكي
والكونُ لولايَ لا لحنٌ ولا وترُ
***
حسناءُ مَنْ أنتِ؟ رَدَّتْ مَنْ إذا قرأتْ
عيناكَ فِيَّ تَجَاهَى السَّمْعُ والبَصَرُ
هذا وَفَرَّتْ ولكنْ بعدَ أنْ غمزتْ
ألا انْتَظِرْ… أنا في الأحلامِ أُنْتَظَرُ.