الشعرالمجلة

لسان العرب – مصطفى سبيتي

لسان العرب

مصطفى سبيتي

 

يا عائباً شعراً ترى إعلانهُ

كُفراً، ألا اطلقْ للضميرِ عنانهُ

منْ ليسَ يعذُرُ خِلَّهُ عن صرخـةٍ

في شعرِهِ، فكأنَّهُ قد خانَهُ

فالشعرُ لا يقوى على سَبْرِ الرؤى

إنْ لمْ تكُن أوجاعُنا ميدانَهُ

 

قالوا: كتابُ الله صانَ لسانَنـا

وأنا أقولُ: لسانُنا قد صانَهُ

نشروه في شتى اللغاتِ فأوهنوا

الإعجازَ فيه وأفقدوهُ بيانَهُ

 

سائلْ مترجِمَهُ الذي يصبو إلى

حُسنِ الثواب، أزانَهُ؟ أم شانَهُ

فالمرءُ مأخوذٌ بما يُدلي بهِ

إنْ لمْ يراعِ مقامَهُ وأوانَهُ

كمْ راغبٍ هدْيَ الأنامِ بشرحِهِ

ومرادُهُ تقــديـسُـهُ، فأهانَهُ

كَلِمٌ كَدَمعِ المُزنِ عَذْبٌ مُذْ همى

بين الأعاجم جفّفوا هتّانَهُ

مَنْ لَمْ يُجِدْ صرفَ البيان ونحوَهُ

ويَحَجّ بالقرآن، دعْ إيمانَهُ

فاللهُ أوْكلَ للنُّحاةِ حفاظَهُمْ

آياتِهِ، وبهـم حـمـى فـرقـانَـهُ

بعد التّمعُّن في كلامِ اللهِ قُلْ

ما أبلغَ الرحمَن، مع سبحانَهُ

 

يا حارفي الآيات في تأويلِكُـمْ

زَلْزلتُمُ من دِيننا أركـانَهُ

عزَّرتُم عرشَ الطُغاةِ بزعمِكُمْ:

مَنْ لَمْ يُطِعهُمْ قد عصى ديّانَهُ

فعليكُم أرسى ركائز جَورهِ

وعلى فتاواكم بنى سلطانَهُ

مستعبداً أهلَ التُّقى بفجورِكُمْ

وعلى الثُّقاةِ مُسَلِّطاً غُلْمانَهُ

لكنّما الحُرُّ الحجا للعقلِ قدْ

أعطى انقياداً شئتُمُ نكرانَهُ

بخشوعِهِ وركوعهِ وخضوعهِ

للحقِّ لا لكُمُ ارتضى إذعانَهُ

 

يا قدسها لغةً تباهی خالقُ

الأكوانِ أنْ أوحى بهــا قـرآنَهُ

أنّ الذي ملأ الفراغ بعالَمٍ

حيٍّ مضيءٍ، قال كُنْهُ، فكانَهُ

هو مُصطفيها في اللغات هُدًى كما

مِمَّنْ بها نطقوا اصطفى إنسانَهُ

لولا البلاغة لمْ نُمِزْ إيعادَهُ

عن وعدِهِ أو عـنْ أنـيـسِ جـانَـهُ

أوحى لآدم: سمِّهمْ أسماءَهُمْ

عربيَّةً، أعياهُ ثم أعانَهُ

فاغترّ آدمُ في السماء مردٍّداً

كَلِمَ الإلهِ محاولاً إتقانَهُ

قد خالف الرحمنَ آدمُ إذْ نوى

للأرضِ يهبطُ حيثُ مَلَّ جنانَهُ

 

طمعاً بجعلِ الضّادِ يزهرُ في الثرى

هجرَ الخلود وحِلمَهُ وأمانَهُ

ولكي يُوَرِّث نسلَهُ ألفاظَهُ

عصيَ الإله مطاوعاً شيطانَهُ

واللهُ شاءَ بأنْ يراهُ خليفةً

في أرضهِ، لا أنْ يُحقّر شانَهُ

لغةٌ أريجُ الـشـعـرِ نـفـحُ حـروفهـا

أرستْ على ألحانها أوزانَهُ

لو طافَ نسْمُ قريضها في يابسٍ

لكساهُ زهراً مُخْضِلاً أغصانَهُ

فالليلُ وشَّى نظْمَها بنجومهِ

والبحرُ أهدى نثرَها مرجانَهُ

 

ألفاظُها نُصَلُ السهام تطيشُ إنْ

خفَّت، كطيشِ أدانهُ عنْ دانَهُ

فالسهمُ لا يُعطيك ما ترمي بهِ

حتى يُراشَ وإنْ صقلتَ سنانَهُ

أنغامُها قرعُ اللسانِ على الفؤادِ

مراقِصاً إيقاعُها خَفَقانَهُ

ما من سفينٍ رامَ مخْرَ بحورها

إلّا وحــيّــر موجُها رُبّانَهُ

إنْ راعَهُ البحرُ المديدُ يلُذْ إلى

البحر الخفيف فلا يرى شطآنَهُ

فحذارِ تزحُم لُجَّها ورويَّهُ

حتى تعاينَ واثقاً قيعانَهُ

أيصولُ في ساحِ القصيدة فارساً

مَنْ لمْ يروّض قبلَ ذاكَ حصانَهُ

 

لجَمالها عيبٌ، بهِ العربيُّ قد

ألقى صوارمَهُ وسلَّ لسانَهُ

ما عادَ يسألُ عن جدَا أفعالِهِ

إذْ باتَ تنميقُ الكلام رهانَهُ

وعَظته يسبحُ في الرؤى طرِباً ومُذْ

أسْرَتْ بهِ أخفتْ عليهِ مكانَهُ

ألهاهُ عنْ دنیـاه سِـرُّ مجـازها

أنسَاهُ سِحرُ بـديـعـهـا أوطانَهُ

متوهّماً تحليقَه فوق الذرى

وترى الورى، تحت الثرى طيرانَهُ

يرجو التحرُّرَ في السما لكنهُ

في الأرض يعشقُ قيدُهُ سجّانَهُ

ظامٍ، خريرُ السلسبيل بسمْعِهِ

يجري، وعينٌ لا ترى جريانَهُ

وكجائعٍ بـلـواهُ لـيـس بــنَــدرةِ

المأكول بل في فقدِهِ أسنانَهُ

عبثوا بها، باتتْ تئنُّ كئيبةً

شوقاً لتُرجع للقديم زمانَهُ

رجعَتْ لِلَغـو الجاهليةِ وارتضى

صبيانُها أنْ يعبدوا أوثانَهُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى